فصل: تفسير سورة الرعد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن **


تفسير سورة الرعد

{‏المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ ‏ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ‏}‏

قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏‏.‏ ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن السماء مرفوعة على عمد، ولكننا لا نراها، ونظير هذه الآية قوله أيضًا في أول سورة ‏"‏لقمان‏"‏‏:‏ ‏{‏خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ‏}‏‏.‏

واختلف العلماء في قوله‏:‏ ‏{‏تَرَوْنَهَا‏}‏ على قولين‏:‏ أحدهما أن لها عمدًا ولكننا لا نراها، كما يشير إليه ظاهر الآية، وممن روى عنه هذا القول ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وقتادة، وغير واحد، كما قاله ابن كثير‏.‏

وروي عن قتادة أيضًا ـ أن المعنى أنها مرفوعة بلا عمد أصلًا، وهو قول إياس بن معاوية، وهذا القول يدل عليه تصريحه تعالى في سورة ‏"‏الحج‏"‏ أنه هو الذي يمسكها أن تقع على الأرض في قوله‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ‏}‏‏.‏

قال ابن كثير‏:‏ فعلى هذا يكون قوله‏:‏ ‏{‏تَرَوْنَهَا‏}‏ تأكيدًا لنفي ذلك، أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها كذلك، وهذا هو الأكمل في القدرة اهـ‏.‏

قال مقيده ـ عفا الله عنه‏:‏ الظاهر أن هذا القول من قبيل السالبة لا تقتضي وجود الموضوع، والمراد أن المقصود نفى اتصاف المحكوم عليه بالمحكوم به، وذلك صادق بصورتين‏:‏

الأولى‏:‏ أن يكون المحكوم عليه موجودًا، ولكن المحكوم به منتف عنه، كقولك ليس الإنسان بحجر، فالإنسان موجود والحجرية منتفية عنه‏.‏

الثانية‏:‏ أن يكون المحكوم عليه غير موجود فيعلم منه انتفاء الحكم عليه بذلك الأمر الموجودي، وهذا النوع من أساليب اللغة العربية، كما أوضحناه في كتابنا ‏(‏دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب‏)‏، ومثاله في اللغة قول امرىء القيس‏:‏ على لا حب لا يهتدى بمناره إذا سافه العود النباطي جرجوا

أي لا منار له أصلًا حتى يهتدي به، وقوله‏:‏ لا تفزع الأرنب أهوالها ولا ترى الضب بها ينجحر

يعني لا أرانب فيها ولا ضباب‏.‏

وعلى هذا فقوله ‏{‏بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا‏}‏ أي لا عمد لها حتى تروها، والعمد‏:‏ جمع عمود على غير قياس، ومنه قول نابغة ذبيان‏:‏ وخيس الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد

والصفاح ـ بالضم والتشديد ـ‏:‏ الحجر العريض‏.‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏‏.‏ المراد بالسيئة هنا‏:‏ العقوبة وإنزال العذاب قبل الحسنة، أي قبل العافية، وقيل الإيمان، وقد بين تعالى في هذه الآية أن الكفار يطلبون منه صلى الله عليه وسلم أن يعجل لهم العذاب الذي يخوفهم به إن تمادوا على الكفر، وقد بين هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ‏}‏، وكقوله‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ‏}‏، وكقوله‏:‏ ‏{‏يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ‏}‏ إلى غير ذلك من الآيات‏.‏

وسبب طلبهم لتعجيل العذاب هو العناد، وزعم أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كاذب فيما يخوفهم به من بأس الله وعقابه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏، وكقوله‏:‏ ‏{‏فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏، كما تقدمت الإشارة إلى هذا‏.‏

والمثلاث‏:‏ العقوبات واحدتها مثلة‏.‏

والمعنى‏:‏ أنهم يطلبون تعجيل العذاب تمردًا وطغيانًا، ولم يتعظوا بما أوقع الله بالأمم السالفة من المثلاث ـ أي العقوبات ـ كما فعل بقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وفرعون وقومه وغيرهم‏.‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏‏.‏ بين ـ جل وعلا ـ في هذه الآية الكريمة أنه ذو مغفرة للناس على ظلمهم، وأنه شديد العقاب‏.‏ فجمع بين الوعد والوعيد ليعظم رجاء الناس في فضله، ويشتد خوفهم من عقابه وعذابه الشديد‏.‏ لأن مطامع العقلاء محصورة في جلب النفع ودفع الضر، فاجتماع الخوف والطمع أدعى للطاعة وقد بين هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏، وقوله جلا وعلا‏:‏ ‏{‏نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ‏}‏‏.‏ إلى غير ذلك من الآيات‏.‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ‏}‏‏.‏ أي إنما عليك البلاغ والإنذار، أما هداهم وتوفيقهم فهو بيد الله تعالى، كما أن حسابهم عليه جل وعلا‏.‏

وقد بين هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله‏:‏ ‏{‏لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ‏}‏ ونحو ذلك من الآيات‏.‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ‏}‏‏.‏ أظهر الأقوال في هذه الآية الكريمة أن المراد بالقوم الأمة، والمراد بالهادي الرسول، كما يدل له قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً‏}‏‏.‏ وقد أوضحنا أقوال العلماء وأدلتها في هذه الآية الكريمة في كتابنا ‏(‏دفع إيهام الاضطراب، عن آيات الكتاب‏)‏‏.‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى‏}‏‏.‏ لفظة ما في هذه الآية يحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف، أي يعلم الذي تحمله كل انثى وعلى هذا فالمعنى‏:‏ يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة، وخداج، وحسن، وقبح، وطول وقصر، وسعادة وشقاوة إلى غير ذلك من الأحوال‏.‏

وقد دلت على هذا المعنى آيات من كتاب الله، كقوله‏:‏ ‏{‏وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ‏}‏‏.‏ لأن ما فيه موصولة بلا نزاع، وكقوله‏:‏ ‏{‏هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ‏}‏‏.‏

ويحتمل أيضًا‏:‏ أن تكون لفظة ما في الآية الكريمة مصدرية، أي يعلم حمل كل انثى بالمعنى المصدري، وقد جاءت آيات تدل أيضًا على هذا المعنى، كقوله‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ‏}‏‏.‏

وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد يكون لها وجهان كلاهما حق، وكلاهما يشهد له قرآن، فنذكر الجميع‏.‏

وأما احتمال كون لفظة ما في هذه الآية استفهامية، فهو بعيد فيما يظهر لي، وإن قال به بعض أهل العلم، وقد دلت السنة الصحيحة على أن علم ما في الأرحام المنصوص عليه في الآيات المذكورة مما استأثر الله به دون خلقه، وذلك هو ما ثبت في صحيح البخاري من أن المراد بمفاتح الغيب في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ‏}‏ الخمس المذكورة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ‏}‏، والاحتمالان المذكوران في لفظة ما من قوله‏:‏ ‏{‏يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ‏}‏ الآية، جاريان أيضًا في قوله‏:‏ ‏{‏يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ‏}‏، فعلى كونها موصولة فيهما، فالمعنى يعلم الذي تنقصه وتزيده، وعلى كونها مصدرية، فالمعنى يعلم نقصها وزيادتها‏.‏ واختلف العلماء في المراد بقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ‏}‏ وهذه أقوالهم في الآية بواسطة نقل ‏"‏صاحب الدر المنثور في التفسير بالمأثور‏"‏‏:‏ أخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ‏{‏وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏هي المرأة ترى الدم في حملها‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ‏{‏وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏خروج الدم‏"‏ ‏{‏وَمَا تَزْدَادُ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏استمساكه‏"‏‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏{‏وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏أن ترى الدم في حملها‏"‏ ‏{‏وَمَا تَزْدَادُ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏في التسعة الأشهر‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏ما تزداد على التسعة وما تنقص من التسعة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ ‏{‏وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏ما دون تسعة أشهر ‏{‏وَمَا تَزْدَادُ‏}‏ فوق التسعة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ‏}‏ يعني ‏"‏السقط‏"‏ ‏{‏وَمَا تَزْدَادُ‏}‏ يقول‏:‏ ‏"‏ما زادت في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تمامًا وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ومنهن من تحمل تسعة أشهر ومنهن من تزيد في الحمل ومنهن من تنقص فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله تعالى وكل ذلك بعلمه وتعالى‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏ما دون التسعة أشهر فهو غيض وما فوقها فهو زيادة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏ما غاض الرحم بالدم يومًا إلا زاد في الحمل يومًا حتى تكمل تسعة أشهر طاهرًا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏السقط‏"‏ وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال‏:‏ ‏"‏إذا رأت الدم هش الولد وإذا لم تر الدم عظم الولد‏"‏ اهـ ‏"‏من الدر المنثور في التفسير بالمأثور‏"‏‏.‏

وقيل الغيض والزيادة يرجعان إلى الولد كنقصان إصبع وغيرها وزيادة إصبع وغيرها‏.‏

وقيل الغيض‏:‏ انقطاع دم الحيض وما تزداد بدم النفاس بعد الوضع‏.‏

ذكر هذين القولين القرطبي‏:‏

وقيل تغيض تشتمل على واحد وتزداد تشتمل على توأمين فأكثر‏.‏

قال مقيده ـ عفا الله عنه‏:‏ مرجع هذه الأقوال كلها إلى شيء واحد وهو أنه تعالى عالم بما تنقصه الأرحام وما تزيده لأن معنى تغيض تنقص وتزداد أي تأخذه زائدًا فيشمل النقص المذكور نقص العدد ونقص العضو من الجنين ونقص جسمه إذا حاضت عليه فتقلص ونقص مدة الحمل بأن تسقطه قبل أمد حمله المعتاد، كما أن الازياد يشمل زيادة العضو وزيادة العدد وزيادة جسم الجنين إن لم تحض وهي حامل وزيادة أمد الحمل عن القدر المعتاد، والله جل وعلا يعلم ذلك كله والآية تشمله كله‏.‏

تنبيه

أخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة أن أقل أمد الحمل وأكثره وأقل أمد الحيض وأكثر مأخوذ من طريق الاجتهاد لأن الله استأثر بعلم ذلك لقوله‏:‏ ‏{‏اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ‏}‏‏.‏

ولا يجوز أن يحكم في شيء من ذلك إلا بقدر ما أظهره الله لنا ووجد ظاهرًا في النساء نادرًا أو معتادًا وسنذكر إن شاء الله أقوال العلماء في أقل الحمل وأكثره، وأقل الحيض، وأكثره، ونرجح ما يظهر رجحانه بالدليل‏.‏

فنقول وبالله تعالى نستعين‏.‏

اعلم أن العلماء أجمعوا على أن أقل أمد الحمل ستة أشهر وسيأتي بيان أن القرآن دل على ذلك لأن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً‏}‏ إن ضممت إليه قوله تعالى ‏{‏وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ‏}‏ بقي عن مدة الفصال من الثلاثين شهرًا لمدة الحمل ستة أشهر فدل ذلك على أنها أمد للحمل يولد فيه الجنين كاملًا كما يأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد ولد عبد الملك بن مروان لستة أشهر وهذه الأشهر الستة بالأهلة كسائر أشهر الشريعة لقوله تعالى ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ‏}‏‏.‏

قال القرطبي‏:‏ ‏"‏ولذلك قد روي في المذهب عن بعض أصحاب مالك وأظنه في كتاب ابن حارث أنه إن نقص عن الأشهر الستة ثلاثة أيام فإن الولد يلحق لعلة نقص الأشهر وزيادتها حكاه ابن عطية اهـ‏"‏‏.‏

قال مقيده ـ عفا الله عنه‏:‏ الذي يظهر والله تعالى أعلم أن الشهر المعدود من أوله يعتبر على حاله من كمال أو نقصان وأن المنكسر يتمم ثلاثين، أما أكثر أمد الحمل فلم يرد في تحديده شيء من كتاب ولا سنة والعلماء مختلفون فيه وكلهم يقول بحسب ما ظهر له من أحوال النساء‏.‏

فذهب الإمام أحمد والشافعي‏:‏ إلى أن أقصى أمد الحمل أربع سنين وهو إحدى الروايتين المشهورتين عن مالك والرواية المشهورة الأخرى عن مالك خمس سنين وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن أقصاه سنتان وهو رواية عن أحمد وهو مذهب الثوري وبه قالت عائشة رضي الله عنها وعن الليث ثلاث سنين وعن الزهري ست وسبع وعن محمد بن الحكم سنة لا أكثر وعن داود تسعة أشهر‏.‏

وقال ابن عبد البر هذه مسألة لا أصل لها إلا الاجتهاد والرد إلى ما عرف من أمر النساء وقال القرطبي ‏"‏روى الدارقطني عن الوليد بن مسلم قال قلت لمالك بن أنس إني حدثت عن عائشة أنها قالت لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل المغزل فقال‏:‏ سبحان الله من يقول هذا هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان تحمل وتضع في أربع سنين وكانت تسمى حاملة الفيل‏"‏‏.‏

وروي أيضًا بينما مالك بن دينار يومًا جالس إذ جاءه رجل فقال‏:‏ ‏"‏يا أبا يحيى ادع لامرأتي حبلى منذ أربع سنين قد أصبحت في كرب شديد‏"‏ فغضب مالك وأطبق المصحف ثم قال‏:‏

‏"‏ما يرى هؤلاء القوم إلا أنا أنبياء‏"‏ ثم قرأ ثم دعا ثم قال‏:‏ ‏"‏اللهم هذه المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجه عنها وإن كان في بطنها جارية فأبدلها غلامًا فإنك تمحو وتثبت وعندك أم الكتاب‏"‏ ورفع مالك يده ورفع الناس أيديهم وجاء الرسول إلى الرجل فقال أدرك امرأتك فذهب الرجل فما حط مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد على رقبته غلام جعد قطط ابن أربع سنين قد استوت أسنانه ما قطعت سراره‏.‏

وروي أيضًا أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين‏:‏ ‏"‏إني غبت عن امرأتي سنتين فجئت وهي حبلى‏"‏ فشاور عمر الناس في رجمها فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏يا أمير المؤمنين إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل فاتركها حتى تضع‏"‏ فتركها فوضعت غلامًا قد خرجت ثنيتاه فعرف الرجل الشبه فقال‏:‏ ‏"‏أبني ورب الكعبة‏"‏ فقال عمر‏:‏ ‏"‏عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ لهلك عمر‏"‏‏.‏

وقال الضحاك‏:‏ ‏"‏وضعتني أمي وقد حملت بي في بطنها سنتين، فولدتني وقد خرجت سني‏"‏‏.‏

ويذكر عن مالك أنه حمل به في بطن أمه سنتان وقيل ثلاث سنين، ويقال إن محمد بن عجلان مكث في بطن أمه ثلاث سنين فماتت به وهو يضطرب اضطرابًا شديدًا فشق بطنها وأخرج وقد نبتت أسنانه، وقال حماد بن سلمة إنما سمي هرم بن حيان هرمًا لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين‏.‏

وذكر الغزنوي أن الضحاك ولد لسنتين وقد طلعت سنه فسمي ضحاكًا‏.‏

وعن عباد بن العوام قال‏:‏ ‏"‏ولدت جارة لنا لأربع سنين غلامًا شعره إلى منكبيه فمر به طير فقال له كش‏"‏ اهـ كلام القرطبي‏.‏

قال مقيده ـ عفا الله عنه‏:‏ أظهر الأقوال دليلًا أنه لا حد لأكثر أمد الحمل وهو الرواية الثالثة عن مالك كما نقله عنه القرطبي لأن كل تحديد بزمن معين لا أصل له ولا دليل عليه وتحديد زمن بلا مستند صحيح لا يخفى سقوطه والعلم عند الله تعالى‏.‏

وأما أقل الحيض وأكثره فقد اختلف فيه العلماء أيضًا فذهب مالك إلى أن أقل الحيض بالنسبة إلى العبادة كالصوم ووجوب الغسل لا حد له بل لو نزلت من المرأة قطرة دم واحدة لكانت حيضة بالنسبة إلى العبادة، أما بالنسبة إلى الاستبراء والعدة فقيل كذلك أيضًا، والمشهور أنه يرجع في قدر ذلك للنساء العارفات بالقدر الذي يدل على براءة الرحم من الحيض قال خليل بن إسحاق في مختصره الذي قال فيه مبينًا لما به الفتوى ورجع في قدر الحيض هنا هل هو يوم أو بعضه إلى قوله للنساء أي رجع في ذلك كله النساء اهـ‏.‏

والظاهر أنه عند مالك من قبيل تحقيق المناط والنساء أدرى بالمناط في ذلك‏.‏

أما أكثر الحيض عند مالك فهو بالنسبة إلى الحيضة الأولى التي لم تحض قبلها نصف شهر، ثم إن تمادى عليها الدم بعد نصف الشهر فهي مستحاضة وأما المرأة التي اعتادت الحيض فأكثر مدة حيضها عنده هو زيادة ثلاثة أيام استظهارًا على أكثر أزمنة عادتها إن تفاوت زمن حيضها فإن حاضت مرة ستًا ومرة خمسًا ومرة سبعًا استظهرت بالثلاثة على السبعة لأنها أكثر عادتها ومحل هذا إذا لم يزد ذلك على نصف الشهر فإن زاد على نصف الشهر فهي طاهر عند مضي نصف الشهر وكل هذا في غير الحامل وسيأتي الكلام في هذا المبحث إن شاء الله على الدم الذي تراه الحامل‏.‏

هذا حاصل مذهب مالك في أقل الحيض وأكثره وأما أكثر الطهر فلا حد له ولا خلاف في ذلك بين العلماء وأقل الطهر في مذهب مالك لم يصرح به مالك بل قال يسأل النساء عن عدد أيام الطهر‏.‏

وقال الشيخ أبو محمد في رسالته إنه نحو ثمانية أيام أو عشرة أيام‏.‏ وقال ابن سراج‏:‏ ‏"‏ينبغي أن تكون الفتوى بذلك‏"‏ لأن الشيخ أبا محمد استقرأ ذلك من ‏"‏المدونة‏"‏ وهو قول سحنون وقال ابن مسلمة ‏"‏أقل الطهر في مذهب مالك خمسة عشر يومًا‏"‏ واعتمده صاحب ‏"‏التلقين‏"‏ وجعله ابن شاس المشهور وعليه درج خليل بن إسحاق في مختصره حيث قال وأكثره لمبتدئه نصف شهر كأقل الطهر‏.‏

وذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد رحمهما الله في المشهور الصحيح عنهما أن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يومًا وهو قول عطاء وأبي ثور وأقل الطهر عند الشافعي باتفاق أصحابه خمسة عشر يومًا ونقل الماوردي عن أكثر أهل العلم أن أقل الطهر خمسة عشر يومًا وقال الثوري أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يومًا‏.‏

قال أبو ثور وذلك مما لا يختلفون فيه فيما نعلم‏.‏

وذهب الإمام أحمد إلى أن أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يومًا‏.‏ روى عنه ذلك الأثرم وأبو طالب‏.‏ وقد قدمنا مرارًا أن أكثر الطهر لا حد له إجماعًا‏.‏ قال النووي في شرح المهذب‏:‏ ودليل الإجماع الاستقراء‏:‏ لأن ذلك موجود مشاهد، ومن أظرفه ما نقله القاضي أبو الطيب في تعليقه قال‏:‏ ‏"‏أخبرتني امرأة عن أختها أنها تحيض في كل سنة يومًا وليلة وهي صحيحة تحبل وتلد ونفاسها أربعون يومًا‏"‏‏.‏

وذهب الإمام أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ إلى أن أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثر عشرة‏.‏ وعن أبي يوسف‏:‏ أقله يومان وأكثر الثالث‏.‏ وأقل الطهر عند أبي حنيفة وأصحابه‏:‏ خمسة عشر يومًا ولا حد لأكثره عنده، كما قدمنا حكاية الإجماع عليه مرارًا، ويستثنى من ذلك مراعاة المعتادة المستحاضة لزمن طهرها وحيضها‏.‏

وعن يحيى بن أكثم‏:‏ أقل الطهر تسعة عشر يومًا‏.‏ وحكى الماوردي عن مالك ثلاث روايات في أكثر الحيض‏.‏ إحداها‏:‏ خمسة عشر، والثانية‏:‏ سبعة عشر، والثالثة‏:‏ غير محدودة‏.‏

وعن مكحول‏:‏ أكثر الحيض سبعة أيام، وعن عبد الملك بن الماجشون‏:‏ أقل الطهر خمسة أيام‏.‏ ويحكى عن نساء الماجشون‏:‏ أنهن كن يحضن سبع عشرة‏.‏ قال أحمد‏:‏ ‏"‏وأكثر ما سمعنا سبع عشرة‏"‏‏.‏